يحكى أن ولدا اسمه زهير، أراد والداه أن يحفظ القرآن الكريم، فصار يذهب إلى الكتاب كل يوم ويردد وراء الفقيه مع أقرانه السور القصار. لكنه كان يخاف من الفقيه، ومن عصاه الطويلة التي تقرع رأسه الصغير حين يرتكب خطأ أو ينسى آية.
كره زهير الكتاب والفقيه، ولم يعد يحفظ القرآن الكريم.. .
ذات يوم هرب من الكتاب فوبخه والداه توبيخا شديدا، ومرة تظاهر بالمرض، ولما ضبط متلبسا ضرب ضربا مبرحا.
تعبت الأم والأب من عناد ولدهما، واستضافا الفقيه في منزلهما، فسأله الأب:
– ما العمل مع ابننا الصغير؟
– إذا لم يحفظ القرآن، سأفتح باب الكتاب السري وأتركه هناك. هذا الباب إذا دخله طفل لا يعرف سورا من القرآن سيضيع في عالم مجهول ولن يعود أبدا. ..
– زهير ابنك يا سيدي الفقيه افعل به ما تشاء
وأخرج الفقيه من تحت جلبابه صندوقا صغيرا فتحه وأخبره أنه نسخة من مفتاح الباب السري، وقال للأب :
– دع هذا المفتاح عندك وخبئه في مكان أمين وإذا تكاسل زهير ذكره بمصيره المحتوم.
كان المشاغب الصغير يتصنت على أبيه والفقيه، وشياطين الفضول تتراقص في عينيه، وقال في نفسه وهو يفرك يديه : ” لنر ما يوجد وراء هذا الباب العجيب “
جلس الأب مع زهير وخوفه من المفتاح ونبهه من غضب الفقيه إن تكاسل في الحفظ، فهز رأسه مثل الملاك، لكن هذه الرأس تتقافز بداخلها الشياطين، وتحاك الخطط الشريرة. ..
تتبع زهير أباه دون أن ينتبه إليه واكتشف مكان المفتاح السري.
وفي الصباح استيقظ باكرا على غير عادته وتسلل بهدوء على أطراف أصابعه، وأخفى المفتاح تحت جلبابه، ثم خرج بهدوء دون أن يوقظ والديه.
وفي الكتاب، انتظر زهير بفارغ الصبر أذان الظهر، وكان يحرك شفتيه ليوهم الفقيه أنه يردد القرآن الكريم، لكنه في الواقع لا يحفظ آية واحدة…
ولما حان الأذان، خرج الفقيه لصلاة الظهر ومعه تلاميذه، أما زهير فقد اختبأ وراء الباب حتى لا ينتبه له أحد.
ذهب الجميع، وبقي الشيطان الصغير وحيدا في الكتاب، وهب نحو الباب السري، ثم أدار المفتاح بسرعة، لكنه لم يفلح في فتحه، فأعاد الكرة المرة تلو المرة، والعرق يتصبب من جبينه، وقلبه يخفق بشدة.
وأخيرا فتح الباب، فإذا بقوة خفية تجذبه بعنف إلى الداخل وترميه في دوامة كبيرة، وهو يصيح ويستنجد. ..
وفجأة ألقته الدوامة في حجرة مظلمة. وعندما أفاق من الصدمة، استرعى انتباهه قفص معلق في سقف الحجرة، به أقفال كثيرة، يشع منه نور ساطع، ثم سمع صوتا ينادي عليه :
– زهير. .. يا زهير !
– من. .. من. .. اكشف عن هويتك أيها الغريب
– أنا فعلا غريب، وأنت سبب غربتي ووحدتي
– من أنت
– أنا صاحبك، أنا القرآن الذي يعيش بداخلك لكنك أهملتني وتركتني وبسببك سجنت في قفص إهمالك، وسوف يعود عليك هذا بمصائب لا تنتهي
– كيف يعقل هذا ؟ كيف يمكن لمصحف أن يتكلم ؟
– لا تستغرب يا بني، أنت في عالم السراب وكل شيئ فيه ممكن، فلا تشغل بالك بما ترى وتسمع وفكر في حل لمصيبتك هذه، فأنت الآن عالق في هذا العالم بسبب إهمالك لحفظي، وفضولك الزائد.
– قال زهير باكيا : أرشدني يا صاحبي إلى الحل، وأعدك ألا أهملك بعد اليوم
– عليك أن تحررني من حبسي، بفتح أقفالي الأربعة.
– وأين مفاتيحها؟
– مفاتيحها يا بني أربع سور من مصحفي تشتت وضاعت في عالم السراب، وهي سورة الفاتحة، وسورة الناس، وسورة الفلق، وسورة الإخلاص. ما أن تجد سورة الفاتحة حتى ترشدك إلى الطريق الذي عليك اتباعه. فاحفظها جيدا ولا تضيعها.
– وأين أجد سورة الفاتحة ؟
– قلبك دليلك يا بني، لكن حذار من الأشرار وتمسك بالسور التي ستجدها لتنجدك من الأخطار.
فتح زهير باب الحجرة، وخرج إلى عالم السراب، فوجده عالما كئيبا سماؤه رمادية وأرضه جرداء قاسية، لا ماء ولا شجر ولا حياة.
سار الفتى على غير هدى إلى أن لمح من بعيد واحة جميلة، ولما اقترب منها وجدها بقعة كبيرة من الوحل الأسود محاطة بأشجار يابسة ،وطفق يتأمل المكان، وبدا كل شيئ ساكنا إلى أن انبعث شعاع من الوحل، فتشجع زهير وأدخل يده مكان الشعاع، واستخرج صدفة كبيرة قالت له : ” نظفني “، ولما نظفها انفتحت وخرج منها ورق بردي طائر كتبت عليه سورة الفاتحة فقالت له :
– احفظني حتى تكمل رحلة البحث عن أخواتي.
استمع مع زهير لسورة الفاتحة لتساعده على اجتياز هذه المرحلة
أترك تعليقا
هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.
9 تعليقات